أيا كويكباً أضاء ظلماء الدُجى ..
وصعدت بخطواتك كبد السمـاء،
وتربّعت على كرسيك في المساء إذا سجى ..
أيا أيها القمر المنير :
أتعلم أنك صديق وحدتي؟
مالك أطلت الغياب عني هذه المرة؟
انتظرتك انظر من نافذتي، أغني وحيداً ليلاً، بلحن الانتظار الحزين ..
انتظرتك من النافذة، حتى ملّت وجنتي من مداعبة نسمات الهواء ..
انتظرتك بـ شوق وحنين، يتبـعه رجاء ..
انتظرت غُرّتك البيـضـاء ..
أيها القمر المنير .. حدّثني؛
هل أنت ملكٌ والنجوم من حولك خدمٌ وأمراء؟
أغبطك يا قمر؛ لأنك في هذا المساء ترى من هذا العالم مالا أرى ؛
لطالما تساءلت ما الذي تخفيه عني؟
تطلُّ في لياليك القمراء، تلقي بظلالك في الأرجاء ..
على موج البحر، وورق الشجر، وقاع السهل، وقمة الجبل، ورمل البيداء ..
ترى العالمين،.. يُخاطبك هذا وهذا، تُنصت لحديثهم / لأسرارهم - ولجهرهم وهمساتهم ..
ثم تنصرف وتمضي بخطى متثاقلة بطيئة .. جميلاً صامتاً، تاركاً ورائك السحاب والنجوم!
يا صديقي المنير:
لطالما أحببتك، وازددت حُباً لك عندما علمت أن تلك الفتاة افتتنت بك ..
صرت أرى انعكاس اسمها ورسم ملامحها، وعذب حديثها كلما حدقت إليك ..
لكن، مالي أراك صامتاً؟ تعلمُ أني صديقك الذي ينثر ذكرياته وبوحه عليك،
يصدقك بحديثه، يُسرّ إليك سرائره، تعلم غيضه وفيضه، صديقك الذي يُجليك،
أهالك منظر اليأس، والبؤس والشقــاء؟
أم أنها صرخات الثكالى والقهر، ونوح المستضعفين؟
أم أنه بسبب من يملك الدرّ والجوهر وبجانبه مسكين يشكو مرارة الفقر؟
أو هو تعجُّبك من حال نوائب الدهــر؟
تعجُبك من باني القصر، وهو يعلم أن قصره القبر؟
ولربما هو بسبب هذا العالم التافه .. الذي لم يملّ الموت الأحمر .. ورائحة الدماء !
أم هو بسبب فرحة أب بمولوده بعد انتظــار؟
نشـوة الفوز والحرية والسعادة والانتصــار ؟
بُرء معتلّ بداء لم يُرجى له الشـفاء؟
أم هي حكايا العابرين؛ وروايات العاشقين .. واجتماع المحبين ؛
حنين المُغتربين ؛ استبشار المظلومين بعدل القضـاء؟
- لا أعلم ماذا ترى ؛ ماذا تواري ؛ ماذا تُخفي، ولكني سأظل اعتبرك صديقي
على الرغم من مناجاتي لك، وبالمقابل أجد صمتك ..
سأنتظرك منتصف كل شهر ؛ ففيـك ذكريآت العُـمر والسنا ..
سأتغافل عن صمتك؛ فلعلك شاهدت ما يُخرس اللسان، ويُعجز العقل ..
لعلّك احتملت من أمور العالم مالا يُحتمل، وآثرت بالصمت على الحديث ..
واتخذت عهداً على نفسك أن تستمر بكتمانك
وهدوئك وإنارتك وجمالك في إطلالتك ..
- لذلك، انت تستحق الثناء، وما زلت أحبك، وما زالت هي كذلك !
- يا قمري المنير، أطل البقاء .. إن لم تستطع
فلا تقل وداعاً، بل إلى اللقاء .. إلى اللقـاء!